تشهد غزة مستويات غير مسبوقة من الجوع، ما دفع أعداداً كبيرة من السكان إلى المخاطرة بحياتهم من أجل تأمين وجبة واحدة أو حتى ما يمكن وصفه بـ”شبه وجبة”.
فحتى النساء والأطفال، الذين أضعفتهم قسوة الجوع وأرهقتهم أوضاعهم الصحية، يقطعون مسافات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، وينتظرون لساعات طويلة في ظل قصف مستمر وإطلاق نار كثيف، على أمل العودة بكيس طحين أو بعض المكرونة لأحبائهم – إلا أن الكثيرين منهم قد لا يعودون إلى منازلهم، مخاطرين بحياتهم في سبيل لقمة عيش تكاد تكون بعيدة المنال.
ومن هؤلاء سمية البالغة من العمر 34 عاماً، التي تحمل إلى جانب إصابتها بمرض السرطان، مهمة إطعام أطفالها الخمسة، لأن زوجها مصاب ولا يستطيع الحركة، فبعد أن كان أكبر همها استكمال علاجها خارج قطاع غزة، أصبحت لا تفكر سوى في تأمين الغذاء لأطفالها.
فتقول سمية باكية: “من أجل أطفالي الجوعى ونظراتهم الصعبة وعيونهم التي تُبكي الحجر والضمائر الحية، أحاول أن أقدم لهم أي شيء قبل أن أموت حتى لا أرى هذه النظرات بعيونهم، أنا مريضة سرطان في مرحلته الرابعة، ولم يقتلني السرطان حتى الآن لكن قد أموت من الجوع في أي لحظة”.
وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي في 21 يوليو/تموز الجاري، فإن نحو 90 ألف طفل وامرأة يعانون من سوء تغذية حاد، فيما يُحرم نحو ثلث المواطنين من الطعام لأيام متتالية في قطاع غزة.
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة في 22 يوليو/تموز الجاري، فقد بلغ العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية 101 حالة وفاة بينهم 80 طفلاً.
رحلة سمية للحصول على المساعدات ليست كغيرها، فهي مصابة أيضاً في قدمها منذ بداية الحرب أثناء قصف منزل مجاور لها، وأثّرت الإصابة على حركتها بشكل كبير.
ولكي تذهب سمية إلى أماكن المساعدات باتجاه معبر زيكيم شمال غربي غزة، تضطر أن تستقل عربة كارو، أو أن يحملها بعض الشباب على ظهورهم لعدة ساعات مشياً، حتى تصل إلى نقطة معينة تتجمع فيها الحشود لانتظار مرور شاحنات المساعدات القادمة مما تعرف بمؤسسة غزة الإنسانية، التابعة للولايات المتحدة وإسرائيل.
وتصف سمية المشهد قائلةً: “في أغلب الوقت نكون منبطحين ونفترش الأرض فترة طويلة، لنحاول تفادي الرصاص الحي المتناثر فوق رؤوسنا، أماكن الحصول على المساعدات فعلاً مصيدة موت، لأن الاحتمال الأكبر أن أموت ولا أعود لأطفالي. أحياناً يتناثر علينا دم، فنتخيل أننا قُتلنا ثم نكتشف أن هذا دم لأشخاص بجوارنا”.
ووفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة في 20 يوليو/تموز الجاري، فإن إجمالي ضحايا انتظار المساعدات بلغ 922 شخصاً وأكثر من 5861 إصابة.